قد يخيّل للبعض ان الازمة الحكومية التي يمرّ بها لبنان اليوم بالغة التعقيد ولا يمكن حلها، وان المخرج الوحيد الذي سيتاح لها هو سلوك رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مسار سلفه السفير مصطفى اديب بالاعتذار. يرى مطلعون على موضوع تشكيل الحكومة، ان هذا الطرح اشبه بطرح الرئيس الاميركي دونالد ترامب انه فاز في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وانه سينصّب نفسه رئيساً لولاية جديدة. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء المطلعون ان ما يقال في هذا السياق، ليس سوى افكار غير قابلة للتنفيذ لاسباب عديدة لا يمكن تعدادها كلها، لذلك يكتفون بالبعض منها على سبيل المثال. ويؤكد هؤلاء ان الحريري قالها بالفم الملآن بعد زيارته الاخيرة الى قصر بعبدا من انه سيستمر في مساعيه لتشكيل الحكومة، ما يعني انه لن يعتذر مهما كانت الظروف والاحوال، وهو امر منطقي نظراً الى الجهد الذي تم بذله لعودته الى رأس الحكومة الجديدة، داخلياً وخارجياً، ويجزم الكثيرون انه لو تم (تسليماً للجدل) سيناريو الاعتذار، فإن العودة ستكون قريبة لا محال، ولعل اختبار اديب خير دليل على ذلك.
وتشير المصادر نفسها الى ان تفريط الحريري بهذه الفرصة سيكون ضرباً من الجنون، فهو حتى الآن نجح في قلب صورته من متهم اساسي في مشروع الهدر والفساد من قبل الحراك الشعبي وبعض المسؤولين، الى ركن اساسي في مشروع الانقاذ من المأساة التي يغرق فيها اللبنانيون. اضافة الى ذلك، يضيف المطلعون، فإن الحريري ليس لديه ما يخسره، وهو يسير على الخطة التي كانت موضوعة قبل تسميته لتشكيل الحكومة، عبر ترتيب اوضاعه الخارجية بعد ترتيب وضعه الداخلي، وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإنه غير مستعجل لقيام حكومة، فهو خارج الحكم حالياً ولا يتحمل عبء الاحراج والمسؤولية التي يلقيها على عاتق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يخسر يومياً الكثير عبر تعامله مع حكومة تصريف اعمال بدلاً من قيام حكومة فاعلة كاملة الصلاحيات. ولا شك ان عون يعلم ذلك، ولكن عدم موافقته على التوقيع على التشكيلة الحكومية المقترحة من قبل الحريري، هي لانها لا تراعي مصالح الجميع، وهو منهم بطبيعة الحال، كما ان توقيعها سيحولها حكماً الى حكومة تصريف اعمال حتى لو لم تحظ بثقة المجلس النيابي، اي انه يمكن ان تبقى في ظل الظروف السياسية الحالية، الى ما شاء الله، وتقوم بكل ما تريده ضمن هامش "تصريف الاعمال" الذي يتسع يوماً تلو الآخر بفعل الازمة الصحية والمالية والاقتصادية التي استقرت في لبنان.
فهل يمكن للحريري التفريط بكل ذلك؟ ومن اجل ماذا؟ وما لم يقله الحريري نفسه، قاله النائب نجيب ميقاتي الذي دعا الحريري الى عدم الاعتذار والاستمرار في مهامه، في دفعة معنوية مهمة لرئيس الحكومة المكلف اولاً، وفي رسالة لمن يعنيهم الامر بأن الطائفة السنّية، بشقيها الديني والسياسي، تمحض الحريري ثقتها ولا يمكن بعد العبث بهذا الدعم. ولمن نسي او تناسى، تذكّر المصادر نفسها بأن تواجد الحريري في هذا المركز خفف عنه حملاً كبيراً يتمثل في منافسة بهاء له، حيث تراجعت هذه المنافسة بشكل كبير في الآونة الاخيرة، ولم يعد هذا الشبح مخيّماً فوق بيت الوسط بعد ان كان يسكن في كل زاوية منه، وفي حال نجح سعد في ترتيب اوضاعه الخارجية فإنه سيكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد.
كل هذه الاسباب وغيرها الكثير، تؤدي، حسب المطلعين انفسهم، الى الجزم بأن سيناريو الاعتذار لا يزال بعيداً عن سعد، والى انه في حال حصلت "اعجوبة" في وقت ما وقدم اعتذاره، فسيكون تمهيداً لعودته مجدداً.